*(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ (14) آل عمران
لِمَ لم يقل زُيّن للرجال طالما ذكر في الآية (من النساء)؟
الآية (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
(14)) عندما ذكر البنين هذا ألمح إلى رغبة النساء في ذلك، هن يحملن البنين
ويرغبن فيه. إذن البنين ليست خاصة بالرجال، عندما ذكر البنين هذا إلماح
وليس تصريح إلى رغبة النساء فيه لكن لم يشأ أن يخدش حياءها ولم يقل زُين
للنساء حب الشهوات من الرجال، كلمة البنين فيها إشارة إلى معاشرة الرجال
وإلا كيف يأتي الأولاد؟
بمعاشرة الرجال فلما قال البنين دخل فيه النساء تضميناً لا تصريحاً.
الناس يحبون شهوة النساء والبنين والذهب والفضة، البنين يحبها الرجال
والنساء إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً وليس تصريحاً ولكن لم يصرِّح حتى
لا يخدش حياءها ما قال زين للنساء حب الشهوات من الرجال، لما ذكر البنين
دخل فيه النساء تلميحاً.
لم يقل زُيّن للرجال حب الشهوات من النساء لأن الرجال يسعون في ذلك
وينفقون في ذلك والناس هذه أعم لأن البنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة ليست خاصة بالرجال ولو قال الرجال فأين يذهب النساء؟
ألا يحبون القناطير المقنطرة؟! فعمم لكن دخل فيه النساء تلميحاً يعني حب
النساء للرجال دخله تلميحاً بذكر البنين لأنه لا يحسن أن يذكر أن يحب
النساء الرجال لكن الرجال ليس عندهم مانع يجهرون بذلك ويتحدثون بذلك ويسعون
في هذا الأمر وينفقون المال في هذا الأمر فلا مانع أن يصرّح بهم في الآية
لكن النساء في الغالب يتعففن عن ذكر ذلك لا يُحسن أن يقال فيهن ما يقال في
الرجال لكن الآية شملت النساء أولاً دخلت تحت العموم في كلمة الناس وذكرها
تلميحاً بحبِّ البنين والقناطير المقنطرة إذن دخلت النساء في الآية تلميحاً
لكن لم يخدش حياءها وكلمة الناس تضم الجنسين الرجال والنساء.
*ما من شك أن القناطير المقنطرة هنا يُراد بها المال والاتيان بهذا اللفظ
(القناطير المقنطرة) يلقي ظلاً ترسمه هذه العبارة فلِمَ عدل ربنا تعالى عن
المال إلى هذه العبارة؟(ورتل القرآن ترتيلاً)
إنه نَهَم المال ولو كان ربنا يريد مجرد الميل إلى المال لعبّر باللفظ
الصريح لكن القناطير المقنطرة تدل أولاً على المال المضاعف والكثرة وتضفي
تصويراً لشره الإنسان الذي لا يكتفي بالدراهم التي تسد حاجته بل يسعى إلى
تكديس المالل وتجميعه إرواءً لحبه للمال وشرهه.
(ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (14) آل
عمران) انظر إلى هذا البيان وتأمل دقة الأسلوب القرآني. فبعد الإطناب
السابق والإسهاب في ذكر الشهوات حتى كاد المرء يذهل من تصوير الله تعالى
للشهوات الدنيوية ولأمور البذخ والنعيم تأتي كلمة المتاع المؤذنة بالقِلّة
وهو ما يُستمتع به مدة ثم يزول.
وما كان الله تعالى ليبين قيمة الحياة الدنيا الحقيقية لينتزع تعلق القلوب بها لولا استعمال هذه الكلمة فانظر واعتبر!.
لمسات بيانية في سورة آل عمران
د.فاضل السامرائى